مراهقات السوشيال ميديا: كيف سرقتهن المنصات من أنفسهن؟
هل لاحظتِ يومًا أن ابنتكِ المراهقة تفضل قضاء الساعات محدّقة في شاشة هاتفها على أن تتحدث معكِ أو تمارس هواياتها؟
وهل شعرتِ بالقلق من أن مراهقات السوشيال ميديا اليوم يعشن في عالم افتراضي سرقهنّ من حياتهن الواقعية؟ في عصر أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من يومياتنا، تواجه الفتيات المراهقات تحديات غير مسبوقة. يشعرن بضغط مستمر لمشاركة أجمل اللحظات، ومتابعة آخر الترندات، والحصول على الإعجابات والتعليقات التي تمنحهن شعورًا – وإن كان مؤقتًا – بالقبول والتقدير. ولكن خلف بريق المرشّحات والفلاتر، هناك ثمن تدفعه هذه الفتيات من صحتهم النفسية ومن وقتهن وهويتهن الحقيقية. في السطور التالية سنغوص في عالم مراهقات السوشيال ميديا لنفهم كيف تحوّلت المنصات الرقمية إلى سارق خفيّ لأجمل سنوات عمرهن، وما الذي يمكنك فعله أنتِ لمساعدة ابنتك على استعادة نفسها.
جدول المحتويات
إدمان المنصات: كيف تخطف السوشيال ميديا وقت المراهقات؟
لا شك أن شبكات التواصل صُمّمت لتكون إدمانية؛ فخوارزميات التطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام مدروسة لجذب الانتباه لأطول فترة ممكنة. قد تبدأ المراهقة بتصفح سريع قبل النوم، لتجد نفسها وقد مرّت ساعات دون أن تشعر. تشير الإحصائيات إلى أن منصات الفيديو القصير خصوصًا فعّالة جدًا في إبقاء المستخدمين متسمّرين أمام الشاشة. على سبيل المثال، كشف استطلاع أمريكي حديث أن 17% من المراهقين يستخدمون تطبيق تيك توك بشكل شبه مستمر (على مدار اليوم)، يليه يوتيوب بنسبة 16% ثم سناب شات 14%

. هذه الأرقام تعني أن كثيرًا من المراهقات يقضين معظم وقتهن يوميًا متنقلات بين فيديو وآخر ومنشور وآخر بلا توقف.
من السهل أن تفقد الفتاة إحساسها بالوقت وهي تغوص في موجز لا ينتهي من المحتوى الترفيهي. الإشعارات المتواصلة، والتمرير اللانهائي (Infinite Scroll)، وتحديثات الأصدقاء كلها عوامل تشد الانتباه. قد يصل الأمر ببعض المراهقات إلى ما يشبه الإدمان الرقمي: فهنّ يشعرن بقلق وتوتر إذا ابتعدن عن هاتفهن لفترة قصيرة، ويتفقدن الإشعارات أولًا بأول حتى خلال الواجبات الدراسية أو الاجتماعات العائلية. ومما يعزز هذا الإدمان أن المنصات تُكافئ المستخدم بمحتوى جديد في كل مرة يقوم فيها بالتحديث، في عملية تشبه إعطاء جرعة سريعة من الدوبامين في الدماغ.
علامات إدمان السوشيال ميديا لدى المراهقات:

- قضاء أغلب أوقات الفراغ (وأحيانًا أوقات الدراسة) في تصفح التطبيقات.
- الشعور بالتوتر أو الضيق عند انقطاع الإنترنت أو فقدان الهاتف.
- السهر لوقت متأخر بسبب تصفح المنصات وفقدان الإحساس بالوقت.
- إهمال الهوايات والأنشطة الأخرى التي كانت تستمتع بها الفتاة سابقًا.
- التشتت وضعف التركيز أثناء القيام بالمهام بسبب التفكير الدائم بما يحدث على الإنترنت.
الأثر المباشر لهذا الإدمان هو سرقة الوقت. كثير من المراهقات يستيقظن مرهقات بسبب قلة النوم، ويتأثر تحصيلهن الدراسي نتيجة تشتت الانتباه
ومع تراكم الساعات المهدورة أمام الشاشات، تُسرَق أيضًا فرص ثمينة؛ مثل تطوير المهارات الشخصية، أو ممارسة الرياضة، أو قضاء وقت نوعي مع العائلة والأصدقاء في العالم الحقيقي. وتقر بعض الفتيات أنهن رغم إدراكهن بأن تصفح إنستغرام أو تيك توك لساعات ليس أفضل استخدام لوقتهن، إلا أنهن يشعرن بضغط يدفعهن لذلك على أي حال. هذا الضغط الخفي هو ما سنناقشه في القسم التالي.
حتى أثناء التجمّعات الاجتماعية، قد تنشغل مراهقات السوشيال ميديا بهواتفهنّ مما يعزلهن عمّن حولهن.

ضغط المقارنة الاجتماعية وتشويه صورة الذات
من أخطر ما تجلبه وسائل التواصل للمراهقات ذلك المعرض الافتراضي للمثالية الذي يعرضهن له طوال الوقت. فتصفح إنستغرام على سبيل المثال قد يملأ رأس الفتاة بصور لفتيات أخريات بملامح مثالية، وأجسام “مثالية”، وحياة تبدو من الخارج سعيدة بلا مشاكل. تبدأ المراهقة بالمقارنة: لماذا لستُ جميلة هكذا؟ لماذا حياتي مملة مقارنة بحياة فلانة؟ هذه المقارنات المستمرة غالبًا ما تؤدي إلى اهتزاز ثقة الفتاة بنفسها وتبنّيها توقعات غير واقعية عن شكلها وحياتها.
تؤكد الدراسات الحديثة خطورة هذه الظاهرة. ففي تسريب شهير لأبحاث داخلية أجرتها شركة فيسبوك المالكة لإنستغرام عام 2019، تبيّن أن إنستغرام جعل مشاكل الصورة الذاتية أسوأ لدى فتاة من كل ثلاث فتيات مراهقات يعانين أصلاً من عدم الرضا عن مظهرهن

وبحسب نفس التقرير، فإن 32% من المراهقات قلن إنهن عندما يشعرن بالسوء حيال مظهرهن فإن تصفح إنستغرام جعلهن يشعرن بسوء أكثر
والأدهى من ذلك أن المراهقات أنفسهن أشرن بأصابع الاتهام إلى إنستغرام كسبب في ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بينهن
بعبارة أخرى، تدرك الفتيات تمامًا الأثر السلبي لهذه المنصة وغيرها، لكنهن مع ذلك يجدن صعوبة في وقف استخدامها.
إن تدفق صور “الحياة المثالية” باستمرار يمكن أن يصنع ما يشبه العاصفة النفسية: مزيج من انخفاض تقدير الذات والغيرة والقلق. تشعر الفتاة أنها مطالبة ضمنيًا بأن تكون في أجمل صورة طوال الوقت على غرار ما تراه، وأن تعيش مغامرات يومية لتثبت لنفسها وللآخرين أن حياتها ممتعة. هذا الضغط قد يدفعها أحيانًا لسلوكيات غير صحية: كاتباع حميات قاسية للحصول على جسم ممشوق كعارضات إنستغرام، أو استخدام فلاتر وتطبيقات تعديل للظهور بصورة مختلفة تمامًا عن واقعها، مما يعمّق إحساسها الداخلي بأن شكلها الطبيعي “غير كافٍ”.
ولا تتوقف المشكلة عند المظهر. فحتى الإنجازات ونمط الحياة تخضع للمقارنة. قد تشعر الفتاة بالإحباط لأنها لا تسافر كثيرًا مثل فلانة، أو لا تملك ملابس فاخرة مثل أخرى، أو لأن عدد متابعيها أقل من صديقاتها. كل تلك المقارنات المستمرة تسرق من المراهقة راحة البال وتجعلها تطارد معايير زائفة يصعب تحقيقها. تقول إيما توماس المديرة التنفيذية لمؤسسة تُعنى بشباب الصحة النفسية: “أن تكوني محاطة طوال الوقت بصور حياة ‘مثالية’ وأجساد مثالية ظاهريًا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على نظرتكِ لحياتكِ ولمظهركِ، وقد يكون من الصعب جدًا ألا تقارني نفسكِ بالآخرين“
ورغم كل ذلك، لا بد من التنويه أن المشكلة ليست في المراهقات أنفسهن، بل في طبيعة هذه المنصات. فهي مصممة لتعزيز ثقافة المظاهر وجمع الـ👍 الإعجابات. حتى أن خبيرًا شبّه الأمر بقوله إن الشركات التقنية “في سعيها للربح، تسرق وقت الأطفال وثقتهم بأنفسهم وصحتهم النفسية“
هذا الوصف دقيق: المنصة سرقت الفتاة من نفسها حين جعلتها ترى نفسها أقل قيمة. والسؤال الآن: ما العواقب النفسية لسلوك هذا الطريق الوعر من انعدام الثقة والمقارنات؟ للأسف، كثير من المراهقات يقعن فريسة لمشكلات نفسية حقيقية سنستعرضها تالياً.
التنمّر الإلكتروني واضطرابات الصحة النفسية
مع تزايد انخراط المراهقات في العالم الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة للتنمّر الإلكتروني بامتياز. ما إن تنشر الفتاة صورة أو تعليقًا حتى تنهال عليها التعليقات؛ بعضها إيجابي لكنه قد يتضمن نقدًا لاذعًا لمظهرها أو شخصيتها. أسوأ ما في الأمر أن المتنمّرين عبر الإنترنت يستغلون الشاشة لإخفاء هويتهم وإطلاق أبشع العبارات التي ربما يعجزون عن قولها وجهًا لوجه. وقد وجدت الدراسات أن المراهقات أكثر عرضة للتنمّر الإلكتروني بثلاثة أضعاف مقارنة بالمراهقين الذكور

ففي الولايات المتحدة مثلاً صرّحت 22.4% من الطالبات (عمر 12-18) أنهن تعرضن لشكل من أشكال التنمّر الإلكتروني (سواء عبر الإنترنت أو الرسائل النصية)، مقابل 7.6% فقط من الطلاب الذكور
هذه الفجوة الكبيرة تدق ناقوس خطر حقيقي: فبناتنا المراهقات في مرمى نيران التعليقات والرسائل المسيئة أكثر بكثير من أقرانهن الأولاد.
التنمّر الإلكتروني لا يسبب الأذى النفسي لحظيًا فقط، بل قد يترك جروحًا عميقة في نفسية المراهقة. فالتعرض المستمر للسخرية أو الإهانة الرقمية قد يقود إلى الاكتئاب والقلق وفقدان الشهية أو اضطرابات الأكل، بل وحتى التفكير في إيذاء النفس. تظهر الأبحاث وجود ارتباط وثيق بين زيادة وقت استخدام وسائل التواصل وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية لدى المراهقين
المراهقة التي تتعرض للتنمر قد تنعزل وتفقد الثقة بالآخرين، وتشعر أنها مراقبة طوال الوقت أو أنها “لا قيمة لها”. وفي بعض الحالات المأساوية التي تناولتها الأخبار، دفع التنمّر الإلكتروني ببعض الفتيات المراهقات إلى إيذاء أنفسهن أو محاولات الانتحار – وهو منحى مأساوي يذكّرنا بمدى خطورة الكلمات حين تتحول لأسلحة.
ولا يقتصر الأمر على التعليقات المباشرة؛ فحتى ثقافة التقييم عبر عدد الإعجابات والمشاهدات يمكن أن تُشعر المراهقة بالتنمّر الضمني. حين تنشر صورة ولا تحصل على التفاعل الذي كانت تنتظره، قد تفسّر ذلك بأن شكلها أو محتواها لم يعجب الآخرين بما يكفي، مما يوجّه ضربة أخرى لثقتها بنفسها. وهكذا تعيش الفتاة في دوامة: تبحث عن التقبل عبر الإنترنت، فإن لم تجده تأذت نفسيًا، وإن وجدته صار إدمانًا كما ذكرنا سابقًا.
من جانب آخر، هناك محتوى خطير قد تتعرض له المراهقات عبر المنصات دون قصد، وهو شكل آخر من أشكال الأذى. خوارزميات بعض التطبيقات قد توصِل مواد تحضّ على إيذاء النفس أو اضطرابات الأكل خلال دقائق من التصفح للمستخدمين الصغار
تخيلي مدى الضرر حين تشاهد فتاة تعاني من اهتزاز في صورتها الذاتية مقاطع تشجّع على تجويع النفس بدعوى الرشاقة، أو مجموعات تمجّد إيذاء النفس كشكل من أشكال “التعبير عن الألم”. مثل هذا المحتوى السامّ قد يدفع الفتاة نحو سلوكيات مدمرة وهي تظن أنها تجد مجتمعًا يتفهمها.
باختصار، الصحة النفسية لمراهقاتنا على المحك. التوتر والقلق والاكتئاب أصبحت كلمات شائعة في يومياتهن
نتيجة مزيج من التنمر والضغوط والمقارنات. وتشير دراسات متعددة إلى ارتفاع نسب الفتيات المراهقات اللواتي يطلبن مساعدة نفسية في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع ازدياد استخدامهن لمنصات التواصل
هذه الإشارات كلها تدل على أن المنصات الرقمية سرقت من المراهقات أثمن ما يملكن: راحتهن النفسية واستقرارهن العاطفي. والسؤال: إذا كانت السوشيال ميديا قد قرّبت العالم البعيد، فلماذا تدفع بعض المراهقات إلى الابتعاد عن أقرب الناس لهن؟ سنناقش الآن جانبًا آخر لا يقل خطورة، وهو العزلة الاجتماعية.
العزلة الاجتماعية وفقدان التواصل الواقعي
المفارقة الكبرى في عصر التواصل الاجتماعي هي أنه قد يجعلنا أقل اجتماعية في الحياة الحقيقية. تجدين المراهقة محاطة بأسرتها أو بين زميلاتها، لكنها غارقة في عالم هاتفها لا تكاد ترفع رأسها. شيئًا فشيئًا، يتراجع التواصل الحقيقي face-to-face في حياتها لتحل محله الدردشات والستوريز. كثير من الأهالي يشتكون أن بناتهم أصبحن جسديًا موجودات في المنزل لكن ذهنيًا غائبات. لقد سرقت المنصات الرقمية منهن لحظات العائلة الدافئة، وجلسات الأصدقاء الممتعة، وحتى أحاديث الفضفضة والبوح التي كانت يومًا ما جزءًا طبيعيًا من سن المراهقة.

من النتائج المقلقة لذلك ظهور العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة لدى المراهقات رغم تواصلهن إلكترونيًا مع العشرات بل المئات من الناس. بحسب تقرير في موقع Psychology Today عن الوحدة لدى المراهقين عالميًا، فإن تزايد استخدام الهواتف الذكية ومواقع التواصل تزامن مع ارتفاع شعور المراهقين بالوحدة وانخفاض ممارسة الأنشطة الاجتماعية الواقعية. فالفتاة قد تظن أنها على اتصال دائم بصديقاتها عبر مجموعات الواتسآب والسنابتشات، لكن نوعية هذا التواصل تختلف جذريًا عن الجلوس مع صديقة والاستماع لها ومشاركتها المشاعر بشكل مباشر. التواصل الرقمي – مهما كان ممتعًا – لا يعوّض التواصل الإنساني وجهًا لوجه، والذي يحتاجه الإنسان لتنمية مهاراته الاجتماعية وللشعور بالدعم العاطفي الحقيقي.
كذلك، مهارات الحوار والإنصات والتعاطف قد تضعف مع الوقت. عندما تعتاد المراهقة على الاختباء خلف الشاشة، قد تواجه صعوبة في التحدث أمام الآخرين أو تكوين صداقات جديدة في الواقع. بعض المراهقات يصبحن أكثر خجلًا أو توترًا اجتماعيًا (social anxiety) لأن تفاعلاتهن الواقعية محدودة، فهن لم يتعلمن جيدًا كيف يجرين محادثة طبيعية أو يتعاملن مع خلاف وجهًا لوجه، إذ اعتدن على زر “حظر المستخدم” (Block) للتعامل مع أي شخص يزعجهن على الإنترنت.
ولا ننسى أيضًا أن انشغال المراهقة بهاتفها طوال الوقت قد يُشعر أفراد أسرتها بالإحباط أو حتى بالنبذ. فالوالدان يفتقدان حديث ابنتهما معهم عن يومها ومشاكلها، والأخوة يشعرون أنها لا تهتم بهم. هذا الخلل في الروابط الأسرية قد يتفاقم إذا لم يُنتبه إليه، ليخلق فجوة عاطفية وتواصلية كبيرة بين المراهقات وعائلاتهن. وبمرور الوقت، تصبح الفتاة غريبة عن أهلها رغم وجودها معهم في نفس المنزل، لأن قلبها وعقلها معلقان بعالمها الافتراضي.
ومن الطريف المبكي في آن واحد أن بعض المراهقات قد يشعرن بالوحدة إذا ابتعدن عن هاتفهن، ولكن بمجرد جلوسهن مع الآخرين يشعرن بالملل أو القلق ويتجهن فورًا للهاتف! إنه نوع من الإدمان الاجتماعي على البقاء متصلات افتراضيًا. حتى عندما يحاول الوالدان مثلاً فرض وقت خالٍ من الأجهزة خلال الوجبات أو الزيارات العائلية، قد تبدو الفتاة شاردة ومتوترة تتحيّن الفرصة لتعود إلى هاتفها. هكذا تسرق المنصات الفتاة من لحظاتها مع أقرب الناس، وتغدو الشاشة هي الرفيق الأقرب.
ولكن، هل الصورة كلها سوداء؟ بالطبع لا. لوسائل التواصل جوانب إيجابية أيضًا: فهي تبقي المراهقات على تواصل مع صديقاتهن البعيدات، وتفتح لهن نافذة على معارف ومعلومات ربما لم يحصلن عليها autrement. كما أنها أصبحت أحيانًا وسيلة للتعبير عن الذات وخلق محتوى إبداعي. لكن المشكلة أن هذه الإيجابيات مشروطة بالاستخدام المعتدل والواعي. فحين يطغى الاستخدام المفرط وغير الرشيد، تتلاشى الإيجابيات وتظهر السلبيات التي تحدثنا عنها بقوة. ولذا يأتي الدور المحوري للوعي والتوعية في إعادة التوازن لهذه المعادلة الصعبة.
كيف نستعيد توازن المراهقات في زمن السوشيال ميديا؟
بعد أن استعرضنا كيف سرقت السوشيال ميديا المراهقات من أنفسهن، قد تتساءلين: كيف نساعد بناتنا لاستعادة ذواتهن الحقيقية وتحقيق توازن صحي؟ إليكِ خطوات عملية وفعّالة:
- فتح الحوار والتفاهم:
تحدثي مع ابنتك بلطف عن تجربتها على الإنترنت، شاركيها تجاربك الشخصية، وأظهري تقبّلك للاستماع إليها دون لوم أو عقاب. - وضع حدود للاستخدام:
اتفقي معها على أوقات خالية من الهاتف (كوقت الوجبات وقبل النوم)، واستخدمي تطبيقات تحد من وقت الشاشة، لتعزيز توازنها وانضباطها. - تشجيع أنشطة بديلة:
شجّعيها على ممارسة هواية أو رياضة تستمتع بها بعيدًا عن الشاشات، ما يمنحها شعورًا بالإنجاز ويعزز تواصلها مع الآخرين. - تعزيز التفكير الناقد:
ناقشي معها أن الحياة المثالية التي تراها على الإنترنت غير حقيقية، ووضّحي أن المقارنة الدائمة تضر بصحتها النفسية. - متابعة المحتوى معًا:
تابعي معها المنصات التي تستخدمها لتوجيهها نحو محتوى إيجابي، وتحدثي معها عند وجود محتوى مضر أو تحديات خطيرة. - طلب الدعم المتخصص عند الحاجة:
إذا لاحظتِ علامات الاكتئاب أو القلق بسبب ضغط السوشيال ميديا، استشيري متخصصًا نفسيًا، فالدعم المهني مهم إلى جانب دعم الأسرة. - كوني قدوة رقمية:
أظهري لها كيف يمكن الاستمتاع بالحياة بعيدًا عن الهاتف، وقلّلي أنتِ أيضًا من استخدامه في حضورها.
تذكري دائمًا أن التوازن الرقمي يبدأ من الأسرة، ودوركِ محوري في دعم ابنتك نحو حياة صحية وسعيدة.
الأسئلة الشائعة حول مراهقات السوشيال ميديا
س: كيف يؤثر استخدام السوشيال ميديا على الصحة النفسية للمراهقات؟
ج: يؤثر بشكل ملحوظ؛ فالاستخدام المفرط يرتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين مراهقات السوشيال ميديا
. تتعرض الفتيات لضغط المقارنة المستمر مع الآخرين مما قد يضعف ثقتهن بأنفسهن ويشوه صورتهن الذاتية. أيضًا التنمر الإلكتروني المنتشر على هذه المنصات يسبب أذى نفسي كبير ويقود لمشاعر الحزن والعزلة. بالمقابل، الاستخدام المعتدل والواعي للسوشيال ميديا مع وجود دعم أسري يمكن أن يقلل كثيرًا من هذه الآثار السلبية.
س: هل كل ما ينشره الآخرون على وسائل التواصل حقيقي؟
ج: غالبًا لا. من المهم فهم أن ما يُنشر هو جانب منتقى من حياة الناس. الكثيرون يستخدمون المرشحات (الفلاتر) ويختارون أفضل اللحظات لعرضها. قد تبدو حياة إحدى المؤثرات مثالية لكنها في الواقع تخفي مشاكل وصعوبات كأي شخص آخر. لذا، على المراهقات إدراك أن المحتوى الذي يرونه لا يعكس الصورة الكاملة، وعدم مقارنة أنفسهن بتلك الصور المثالية غير الواقعية.
س: كيف أميز أن ابنتي أدمنت استخدام السوشيال ميديا؟
ج: هناك علامات واضحة مثل قضائها ساعات طويلة يوميًا على الهاتف على حساب أنشطتها الأخرى، ومعاناتها من القلق أو المزاج السيئ إذا مُنعت من هاتفها. من العلامات أيضًا إهمالها لهوايات كانت تحبها سابقًا، وتدني أدائها الدراسي بسبب تشتت الانتباه، وكذلك ميلها للانعزال عن الأسرة أغلب الوقت والبقاء في غرفتها متصلة بالإنترنت. إذا لاحظتِ هذه المؤشرات فربما تحتاج إلى مساعدتها على تنظيم وقتها ووضع ضوابط للاستخدام.
س: هل تؤثر السوشيال ميديا على علاقات المراهقات الاجتماعية في الواقع؟
ج: نعم، بشكل ملموس. الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى انعزال المراهقة عن محيطها الواقعي
. قد تفضّل الفتاة الدردشة مع صديقاتها عبر الإنترنت بدلاً من الخروج معهن، مما يحدّ من تطوير مهاراتها الاجتماعية. كما أن وجودها الدائم على الهاتف خلال الجلسات العائلية أو مع الأصدقاء يؤدي لضعف التواصل الحقيقي. لهذا من المهم تشجيع الفتيات على تخصيص وقت للنشاطات الاجتماعية الواقعية وتنمية صداقات صحية خارج إطار الإنترنت.
س: ما دور الأهل في حماية المراهقات من سلبيات السوشيال ميديا؟
ج: دور الأهل محوري جدًا. عليهم بناء جسور ثقة مع بناتهم للحديث صراحة عن تجاربهن الإلكترونية دون أحكام مسبقة. كما ينبغي للأهل وضع قواعد وحدود زمنية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية واتّباعها بأنفسهم أيضًا كقدوة. من الجيد أيضًا مشاركة الفتاة بعض الوقت على الإنترنت لاكتشاف ما تفعله ومناقشة ما تشاهده. وعند الحاجة، يجب ألا يتردد الأهل في طلب استشارة خبراء التربية أو اختصاصيي علم النفس لمساعدة ابنتهم. الجو العائلي الداعم والحوار المفتوح هما خط الدفاع الأول لضمان توازن مراهقات السوشيال ميديا في عالمهن الرقمي.
الخاتمة
في النهاية، عالم السوشيال ميديا سلاح ذو حدين. فهو مساحة ممتعة للتواصل والتعلّم والترفيه، لكنه أيضًا عالم مليء بالتحديات والمخاطر خاصة على الفتيات المراهقات في مرحلة تشكيل الهوية وبناء الثقة بالنفس. أهم ما تحتاجه مراهقات السوشيال ميديا اليوم هو الدعم والتوجيه وليس المنع التام أو الانتقاد المستمر. فإذا شعرن أن الأهل والمربين حلفاؤهن لا أعداؤهن، سيستطعن الحديث عن مشاكلهن وطلب المساعدة عندما يسقطن في دوامة المقارنات أو التنمر أو غيرها.
لخصنا في هذا المقال أهم التأثيرات السلبية لإفراط المراهقات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، من إدمان الوقت إلى تشويه الذات والتنمّر والعزلة. كما قدّمنا خطوات عملية يمكن أن تساعد في استعادة التوازن. حان الآن دورك لتكوني جزءًا من الحل: تحدثي مع ابنتك، شاركي هذه المعلومات مع صديقاتك الأمهات، وضعي خطة صغيرة لتقليل هيمنة الشاشات على حياة أسرتك. تذكري أن التغيير يبدأ بخطوة بسيطة، وربما بمجرد طرح سؤال على ابنتك هذا المساء: “ما رأيك لو نقضي ساعة يوميًا بدون هواتف ونتحدث عن أي شيء يخطر ببالنا؟” قد تفاجئك الإجابة وتفتح لكما أبوابًا جديدة من التقارب والتفاهم.
هل تواجهين تحديات أخرى مع ابنتك المراهقة وعالم السوشيال ميديا؟ شاركينا رأيك وتجربتك في التعليقات أدناه، ولا تترددي في نشر هذا المقال لنشر الفائدة بين الأصدقاء. معًا نستطيع مساعدة بناتنا ليستعدن أنفسهن من قبضة المنصات الرقمية.